ينظم معهد الصفّة بکوجرانوالا خلال شهر رمضان المبارك، بعد صلاة الفجر يوميًا، محاضرات تحت عنوان "دورة هدی للناس" حول موضوعات متنوعة، يشارك فيها عدد كبير من الرجال والنساء، ويعبّر فيها علماء وأصحاب فكر من مختلف المدارس الفكرية عن آرائهم. وفي 28 أكتوبر، دُعيتُ لتقديم بعض الملاحظات تحت عنوان "حقوق الإنسان والتعاليم الإسلامية"، وأقدم هنا ملخص ما عرضته في تلك المناسبة.
بعد الحمد للہ والثناء لہ والصلاة والسلام على رسول الله وعلی آلہ وصحبہ ومن والاہ...
يُعدّ حقوق الإنسان موضوعًا مهمًا في عالم اليوم، وربما يكون الموضوع الأكثر طرحًا للنقاش، وهناك العديد من الجوانب المتعلقة بحقوق الإنسان في ضوء التعاليم الإسلامية التي يحتاج النقاش حولها. ولكن في هذا المجلس، أود أن أقدّم ملاحظات حول جانب واحد فقط، وهو: ما الفرق بين فلسفة حقوق الإنسان اليوم وفلسفة حقوق الإنسان الإسلامية؟
أما فيما يتعلق بحقوق الإنسان، فقد تطرق القرآن الكريم إلى العديد من جوانبه، ووضح رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرات الجوانب المتعلقة به، ولكن هناك بعض الفروق الأساسية والمبدئية بين فلسفة حقوق الإنسان في العصر الحاضر وبين تعاليم القرآن والسنة في هذا الشأن، والتي من الضروري فهمها.
(1) الفرق الأول في هذا الصدد هو الاصطلاح؛ فالحقوق المتبادلة بين البشر، التي يُعبّر عنها في الفلسفة الحديثة بـ "حقوق الإنسان" أو "Human Rights"، قد ذكرها الإسلام تحت عنوان "حقوق العباد". فهناك نطاق واسع من التوجيهات والأحكام في القرآن الكريم والسنة النبوية فيما يتعلق بحقوق الله وحقوق العباد، وهو نطاق منظم ومترابط بحيث قلّما يوجد نظام آخر يوضح تفاصيل وأولويات حقوق الإنسان كما أشار إليها القرآن والسنة.
(2) الفرق الثاني هو أن الفلسفة المعاصرة تحصر قائمة الحقوق في إطار المجتمع البشري فقط، ولا تناقش حقوق الخالق والمالك الذي خلق الإنسان ورزقه ومنحه نعمًا لا تحصى. فهي لا تهتمام أصلًا بمسألة وجود الله من عدمه، أو وجوب الإيمان به من عدمه، أو ما إذا كان له كخالق ومالك أي حق على عباده. بينما الإسلام على العكس من ذلك، لا يقر فقط بضرورة الإيمان بوجود الله تعالى، بل يعدّ الإقرار بتوحيده ثم الاعتراف بحقوقه أمرًا لا مفر منه. لذلك يتحدث الإسلام عن كل من حقوق الله وحقوق العباد، ويجعل التوازن بينهما أساسًا للدين. وقد نفى الإسلام في هذا الصدد الطرفين المتطرفين:
فالتطرف الأول هو الانشغال الكلي بعبادة الله تعالى وعدم الالتفات إطلاقًا لحقوق البشر. وقد عبّر الإسلام عن هذا بـ "الرهبانية" ونفاه القرآن الكريم صراحة.
أما التطرف الثاني فهو تركيز الاهتمام بالكامل على حقوق العباد وتعاملات البشر، واعتبار عبادة الله تعالى وطاعته غير ضروريين. وقد وصف الإسلام هذا بـ "الانشغال بالدنيا" ونفاه أيضًا. تعاليم الإسلام في هذا الشأن واضحة؛ فالإيمان بالله تعالى كخالق ومالك، واتباع تعاليم رسله، والإقرار بوحدانيته، وعبادته وطاعته كلها ضرورية، كما أن مراعاة حقوق البشر الذين يعيشون معنا في المجتمع البشري ضرورية أيضًا.
لقد قدم القرآن والسنة نظامًا متكاملًا للتوازن والترتيب في الأولويات بينهما، وفي هذا الصدد فإن قول سلمان الفارسي رضي الله عنه الذي نصح به أبا الدرداء رضي الله عنه - والذي وفقًا للرواية في صحيح البخاري صدّقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقره - يعد أساسًا وقاعدة:
"إن لربك عليك حقًا، ولنفسك عليك حقًا، ولأهلك عليك حقًا، فأعط كل ذي حق حقه."
(3) الفرق الثالث الأساسي بين التعاليم الإسلامية وفلسفة العصر الحالية فيما يتعلق بحقوق الإنسان هو أن الإسلام يحدد الحقوق على أساس التعاليم السماوية والوحي الإلهي. بينما الأساس الوحيد لتحديدها في الفلسفة الحديثة هو رغبات المجتمع البشري. فما تعتبره أغلبية المجتمع البشري حقًا يُدرج في قائمة الحقوق، وما تستبعده تُستبعد من القائمة. والديمقراطية والتصويت هما وسيلة لمعرفة رغبة المجتمع البشري، فالأساس هو رغبات المجتمع البشري. ونحن نرى أنه بما أن رغبات المجتمع البشري لا تتوقف وليس لها كابح، فإن قائمة الحقوق هذه في تغير مستمر. بل يحدث أن أمرًا ما كان يُعد في الماضي من الجرائم، يصبح في عصر آخر خارجًا عن قائمة الجرائم ويدخل في قائمة الحقوق. أود أن أوضح هذا بمثالين:
الأول: أن عيش الرجل والمرأة معًا بدون زواج، وإقامة علاقة جنسية وإنجاب الأطفال، كان يُعتبر في الماضي جريمة. وما يزال يعتبر جريمة في نظر الإنجيل، ولكن في عصرنا هذا لم يُخرج هذا الفعل من قائمة الجرائم فحسب، بل إن العديد من القوانين في الدول الغربية قد اعترفت بمشروعيته وأدرجته في قائمة الحقوق.
وبالمثل، فإن المثلية الجنسية كانت حتى عهد قريب تعتبر جريمة، ولا تزال الآيات التي تذمها وتقرر عقوبة شديدة لها موجودة في الإنجيل. ولكن مع تغير الفكر الجمعي في المجتمع، أُخرجت من قائمة الجرائم وأُدرجت في قائمة الحقوق، وتقوم برلمانات الدول الغربية باستمرار بتشريع القوانين في هذا الشأن. بينما الإسلام لا يعترف بذلك، وموقفه هو أن المبادئ التي حددها الوحي الإلهي والتعاليم السماوية في هذا الشأن، والدوائر التي حددت قطعياً فيما يتعلق بالحقوق والمعاملات والحلال والحرام، لا يحق للمجتمع البشري تجاوزها، وله فقط الصلاحية لترتيب أموره ضمن إطار هذه الحدود. وبالمثل، فإن الإسلام ليس مستعداً لإدراج تلك الأمور في قائمة حقوق الإنسان التي اعتبرها المجتمع البشري حقوقاً وهو يتجاوز الوحي الإلهي والتعاليم السماوية.
(4) الفرق الرابع المهم بين التعاليم الإسلامية والفلسفة الحديثة حول حقوق الإنسان هو أن الإسلام يركز أكثر على أداء حقوق الآخرين، ويذكر قائمة طويلة بأن عليك لله هذا الحق، وللرسول هذا الحق، وللوالدين هذا الحق، وللزوجة والأولاد هذا الحق، وللأقارب هذا الحق، وللجيران هذا الحق، وغير ذلك. ويتجه معظم تعاليم الإسلام نحو أنك إذا أديت حقوق الآخرين فإن حقوقك سوف تؤدى تلقائياً. بينما يبدو أن اتجاه وأسلوب الفلسفة والنظام الحديثين هو أن حقوقك على الآخرين هي كذا وكذا، فهو يعرض على الإنسان قائمة بحقوقه ويحثه على المطالبة بها.
لا يخفى على أهل البصيرة الفرق في النتيجة بين هذين المنهجين. عندما يوجه الإنسان همته لأداء حقوق الآخرين، فإنه سينال حقوقه أيضاً، وفي نفس الوقت ستتولد في المجتمع أجواء المحبة المتبادلة والثقة والأخوة. ولكن عندما يكون كل شخص مشغولاً بالمطالبة بحقوقه من الآخرين، ستسود أجواء من التنافس والصراع تؤدي إلى حالة من "الأنانية" (الفوضى والتنافس السلبي)، ولن تتحقق تلك الأجواء من الترابط والمحبة الضرورية للتوحد في مشاركة الآلام والمصاعب.
هناك مجال وحاجة للحديث عن العديد من جوانب حقوق الإنسان والتعاليم الإسلامية، ولكن نظراً لقصر الوقت سأكتفي بهذه الملاحظات الأساسية. نسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعاً للعمل بها، آمين ثم آمين.
(جريدة "باكستان"، لاهور - 31 أكتوبر 2005م)

